Your browser doesn't support JavaScript or you have disabled JavaScript. Therefore, here's alternative content...

تفرد أحد الإنجيليين في الرواية

العهد الجديد
أدوات القراءة
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

وينفرد أحد الإنجيليين بذكر حوادث قد تكون مهمة، ومع ذلك أَغفلها الآخرون، وقد يتبادر للذهن لأول وهلة أن ذلك يرجع لنظرية تكامل الروايات التي لا تعتبر زيادات البعض في روايتهم ضرباً من التناقض والتعارض.

وهذا ليس بصحيح، إذ معرفتنا البسيطة بتدوين الإنجيل وتاريخه تُنبئنا بأن الإنجيليين اعتمد اللاحق فيهم على السابق، فإغفال اللاحق لبعض ما ذكره سلفه، إنما يرجع لتشككه في جدوى الرواية، أو صحتها، أو تناسقها مع المعتقد، وهو ما يقال أيضاً في الإضافة التي قرر المتأخر زيادتها عن السابق.

ولعل مما يوضح الصورة ويجليها نقل مقدمة لوقا الذي يقول: " رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق.... لتعرف صحة الكلام الذي عُلِّمتَ به " ( لوقا 1/3- 4 )، فهو ينقل عن السابقين له بتدقيق وإمعان في رواياتهم، وما يدعه من مروياتهم إنما تركه لعدم وثوقه بهذه الروايات.

وقد انفرد بعض الإنجيليين بذكر أحداث مهمة تثير أسئلة استفهام كبيرة، تبحث عن إجابة، ومن هذه الأمور التي انفرد بها أحد الإنجيليين:

- انفرد لوقا فذكر في وصف ليلة القبض على المسيح أموراً لم يذكرها غيره، ومنها: أنه بالغ في إظهار جزع المسيح، حتى إن الله أيده بملاك يقويه، وكأنه أوشك على الانهيار. يقول لوقا: "وظهر له من السماء ملاك يقويه، وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22/43 - 44 ).

وهاتان الفقرتان - رغم وجودهما في أكثر النسخ المتداولة - فإن المراجع القديمة تحذفهما، كما نقل أحمد عبد الوهاب عن جورج كيرد مفسر إنجيل لوقا حيث يقول: " فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا قد اكتنفها الضعف البشري، كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة ".

ولعل هذا ما دعا الإنجيليين إلى تجاهل هذا الوصف الدقيق، بل إن يوحنا لم يذكر شيئاً عن معاناة المسيح وآلامه تلك الليلة، وذلك للسبب نفسه بالطبع.

ولنا أن نتساءل كيف عرف لوقا بنزول الملاك؟ وكيف شاهد عرقه وهو يتصبب منه على هذه الكيفية؛ كيف ذلك وجميع التلاميذ نيام كما وصفهم لوقا بعدها مباشرة بقوله: " ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه، فوجدهم نياماً من الحزن " ( لوقا 22/45 ) ؛ كما أن المسيح لم يكن بجوارهم، فقد كان يصلي بعيداً عنهم "انفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وصلى " ( لوقا 22/41 ).

- ذكر الإنجيليون ضرب أحد التلاميذ لعبد رئيس الكهنة بالسيف، وأنه قطع أذنه، وتتكامل الروايات، فيذكر يوحنا أن اسم العبد ملخس، وأن الأذن هي اليمنى، فيما لم يحدد متى ومرقس اسم الضارب، كما لم يحددا الأذن المضروبة.

لكن أحداً منهم - سوى لوقا الغائب حينذاك - لم يذكر أن المسيح أبرأ أذن العبد وردّها، وهي ولاشك معجزة كبيرة ستترك أثراً في تلك الجموع الكافرة.. "فأجاب يسوع: دعوا إليّ هذا، ولمس أذنه وأبرأها " (لوقا 22/51 )، ولم يذكر لوقا أي ردة فعل للجند والجموع تجاه هذه المعجزة الباهرة. وكأن شيئاً لم يكن.

- كما انفرد مرقس بواحدة أخرى، وهي: قصة الشاب الذي هرب من الشبان، فأمسكوا بإزاره الذي يلبسه على عري، فترك الإزار، وهرب منهم عريانا.ً ( انظر: مرقس 14/51 -52).

- وأيضاً انفرد يوحنا بأن المسيح طلب من الجند أن يدعوا تلاميذه يهربون. ( انظر: يوحنا 18/8) مع أن أحداً لم يتعرض لتلاميذه، لكن يوحنا يريد بذلك أن يحقق نبوءة توراتية، فقد قال بعدها "ليتم القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحداً " ( يوحنا 18/9 ).

- وانفرد يوحنا عن بقية الإنجيليين، فذكر أن الجند لما همّوا بالقبض على يسوع، وقعوا على الأرض، يقول يوحنا: "فلما قال لهم: إني أنا هو رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " ( يوحنا 18/6 )، ولم يذكره غيره، فما الذي أخاف الجنود حتى سقطوا ؟

 إنه خوفهم من الملائكة الذين حموا المسيح، فذاك الذي سبب لهم هذا السقوط، كما في النبوءة التوراتية: " لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك، لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك، على الأيدي يحملونك، لئلا تصطدم بحجر رجلك " ( المزمور 109/14- 16).

- وانفرد يوحنا فذكر ذهابهم بالمسيح إلى حنان حما رئيس الكهنة قيافا، ثم أخذ بعدها إلى قيافا الكاهن. ( انظر يوحنا 18/12 - 13 ).

- وانفرد لوقا بذكر إرسال بيلاطس المسيح إلى هيرودس حاكم الجليل، مع أن هيردوس مات قبل ذلك بكثير، وذلك إبان طفولة المسيح، يقول متى: " فلما مات هيردوس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلاً: قم وخذ الصبي وأمه، واذهب إلى أرض إسرائيل، ولكن لما سمع أن ارخيلاوس يملك على اليهودية عوضاً عن هيرودس أبيه... " ( متى 2/19 - 20 )، فلو صدق متى في خبر وفاة هيرودس زمن طفولة المسيح فإن لوقا حينذاك من الكاذبين رغم تتبعه لكل شيء بتدقيق.

والذي دعاه لذلك -كما يرى مفسر إنجيل لوقا جورج كيرد -: أنه أراد أن يشرك ملكاً آخر مع بيلاطس، ليحقق نبوءة المزمور الثاني، وفيه " قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معاً على الرب، وعلى مسيحه " ( المزمور 2/2).

- وانفرد متى فذكر عجائب حصلت والمسيح على الصليب في اللحظة التي فارق فيها الحياة، فيقول: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين " ( متى 27/51 - 53 )، فهذه الأعاجيب ينفرد بها دون سائر الإنجيليين والمؤرخين ومنهم لوقا المتتبع بالتدقيق لكل شيء.

ولو صح مثل هذا لكان من أعظم أعاجيب المسيح، ولحرص الجميع على ذكره، لذا فهو إلى الكذب أقرب، يقول نورتن المسمى " حامي الإنجيل ": " هذه الحكاية كاذبة، والغالب أن أمثال هذه الحكاية كانت رائجة في اليهود، بعدما صارت أورشليم خراباً، فلعل أحداً كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى، وأدخلها الكُتاب في المتن، وهذا المتن وقع في يد المترجم، فترجمها على حسبه ".

وقد نقلت هذه الأخبار عن الأساطير القديمة، يقول المفسر كيرد: " كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء، وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته ".

 ويقول المفسر نينهام: " لقد قيل: إن مثل تلك النذر لُوحِظَتْ عند موت بعض الأحبار الكبار، وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القديمة والوثنية، وخاصة عند موت يوليوس قيصر ".

ويقول المفسر جون فنتون مدافعاً عن تحريف متى إضافاته في القصة: " لقد كان قصد متى من هذه الأحداث الخرافية أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله ".

ومما يدل على كذب متى أو مترجمه في هذه الزيادة، أن لو ظهرت هذه العجائب لما جرأ اليهود على الرجوع إلى بيلاطس، وطلب حراسة القبر، ولما تجاسر قيافا أن يصف المسيح وقتئذ بالمضل، ولانتقم منهم بيلاطس، بل وعامة اليهود، ولآمن كثيرون بالمسيح، كما آمن كثيرون في أعجوبة أقل من ذلك، إذ لما نزل روح القدس على التلاميذ، آمن ثلاثة آلاف شخص. (انظر أعمال 2/40 - 41)، وما ذكره متى عند موت المسيح أعظم من ذلك.

ثم ماذا عن هؤلاء الأموات ؟ هل عادوا بأكفانهم؛ أم حفاة عراة ؟ ومع مَن تكلموا ؟ هل كان خروجهم حزناً عليه أم نصرة له ؛ أم فرحاً به ؛......

- وانفرد يوحنا بذكر وجوده إلى جوار المسيح، وأم المسيح معه وقت الصلب ( يوحنا 19/25 - 26)، وأمر كهذا لا يتصور أن تغفله الأناجيل لو كان حقاً، كما لا يمكن تصور أن الجند يسمحون لذوي المسيح من الاقتراب منه وهو على الصليب، وهم الذين أنكر بطرس بين أيديهم معرفة المسيح ثلاث مرات، لخوفه من بطشهم.

النقد الضمني للرواية الإنجيلية :

وعند التأمل في الروايات الإنجيلية في جزئيات كثيرة اجتمع عليها الإنجيليون - أو بعضهم - نجد أن في الروايات خللاً وحلقات مفقودة لا يمكن تجاوزها، علاوة على ما في الروايات من تهافت في المعنى.

وفي كثير من هذه الملاحظات لا يمكن للنصارى الخروج منها، إلا بالتسليم بأن المصلوب ليس المسيح، أو بالتسليم بأن الروايات بشرية الوضع، غير محبوكة الصنعة. ومنها:

- تتحدث الأناجيل عن دور يهوذا في خيانة المسيح بعد أن رافق المسيح وهو من خاصته، فكيف حصل هذا التغير المفاجىء؟

إن وقوع الانحراف بين البشر غير مستبعد، ولكن الرواية الإنجيلية تجعل المسيح، وهو الذي أرسله الله لهداية البشر، تجعله سبباً في غواية يهوذا. يقول يوحنا على لسان المسيح: " الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه، فغمس اللقمة، وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي، فبعد اللقمة دخله الشيطان، فقال له يسوع: ما أنت تعمله، فاعمله بسرعة أكثر " ( يوحنا 13/26 – 27 )، فقد جعل النص المسيح ولقمته التي دفعها ليهوذا سبباً في ضلالة يهوذا وخيانته.

ثم كيف لم يستطع يهوذا أن يخرج الشياطين من نفسه، وهو أحد الذين قال لهم المسيح: "اشفوا مرضى، طهروا برصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين " ( متى 10/8 ).

وعلى الرغم من أهمية شخصية يهوذا فإن أحداً من أصحاب الأناجيل - سوى متى - لم يذكر شيئاً عن موته، وقد اختار له متَّى ميتة سريعة سبقت حتى موت المسيح، وكأنه بذلك أراد أن يتخلص من الشخصية الغريبة، والتي اختفت منذ تلك الفترة. (انظر متى 27/3-7)، وقارن مع (أعمال 1/18).

وتناقض الروايتين وسكوت بقية الأناجيل يرجع لاختفاء يهوذا عن مسرح الأحداث في تلك الليلة التي قبض عليه فيها بدل المسيح.

وهنا يطرح سؤال نفسه: كيف جهل رؤساء الكهنة شخص المسيح حتى احتاجوا إلى من يدلهم عليه مقابل ثلاثين من الفضة ؛ كيف ذلك وهو الذي كان في الهيكل يعلم كل يوم. ( انظر: لوقا 22/ 52 ).

وتذكر الأناجيل أن المسيح في ليلة الصلب تضرع إلى الله يدعوه أن يصرف عنه كأس الموت، فأين كان التلاميذ في تلك اللحظات العصيبة ؟ لقد كانوا مع المسيح في البستان، لكنهم كما وصفهم لوقا " ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " ( لوقا 22/45 )، لكن المعهود في البشر أنهم إذا خافوا طار النوم وعزّ.

وهو ما يؤكده علماء النفس، ومرده فرز الغدة الكظرية لهرمون الأدرينالين في مجرى الدم، فيتعقب النوم ويطارده، إذاً كيف نام هؤلاء من الخوف!؟

- ومن التنافر أيضاً ما جاء في مرقس أن المسيح جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً فقال: " ناموا الآن واستريحوا. يكفى. قد أتت الساعة. هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة، قوموا لنذهب، هوذا الذي يسلمني قد اقترب " ( مرقس 14/41 ) فكيف يتوافق قوله: " ناموا الآن واستريحوا " مع قوله في تمام الجملة: " قوموا لنذهب "؟ وكيف يطلب الهرب وهو يعرف أنه سيؤخذ ويصلب؟

- ومن التنافر في الرواية أن إنجيل يوحنا يُظهر الحكم على المسيح، وكأنه حكم إلهي نزل على رئيس الكهنة قيافا، وليس حكماً صادراً من مجمع للظّلَمة. يقول يوحنا: " فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا نُهلك الأمة كلها، ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد " ( يوحنا 11/49 - 52 ).

فالنص يصف قيافا بالنبوة، وبأنه عرف بالنبوة أن المسيح يموت عن الشعب، فكيف يصح هذا؟ وهو الذي حكم ظلماً على المسيح بالموت، كيف وهو أحد الظلمة الذين قال لهم المسيح: " ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة " ( لوقا 22/53 ).

كيف يأمر نبي بقتل نبي، فلو صحت نبوته لكان حكمه ردة، أو يكون قد حكم على غير المسيح.

 وفي محاولة للتبرير قال يوحنا فم الذهب: " إن روح القدس حرك لسان قيافا، لا قلبه، على أن قيافا لم يخط ضد الإيمان، بل ضد العدل والتقوى ".

وما اللسان إلا ترجمان للقلب، وإذا كان روح القدس هو الذي حرك قيافا، فلم كان قيافا خاطئاً ضد العدل والتقوى.

وقد تعارض قيافا في فهمه لعموم الفداء وخصوصه، فهو يفهم أن موت المسيح فداء لبني إسرائيل، بينما يوحنا في رسالته الأولى يقول: " هو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً" ( يوحنا (1) 2/2 ).

- وتذكر الأناجيل أن الجميع وقف ضد المسيح، وليس رؤساء الكهنة فحسب، بل حتى الجماهير كانت تنادي على بيلاطس وتقول: " اصلبه، اصلبه " وترفض إطلاقه، وتود إطلاق المجرم باراباس " كان بيلاطس يطلب أن يطلقه، ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصر، كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر " ( يوحنا 19/12 )، ويقول مرقس: "فهيج رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري باراباس. فصرخوا أيضاً: اصلبه... فازدادوا جداً صراخاً: اصلبه، فبيلاطس إذن كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم " ( مرقس 15/11 - 15).

فأين الجموع التي شفاها المسيح من البرص والعمى وغيره والتي تعد بالألوف؟ أين أولئك الذين استقبلوه وهو يدخل أورشليم راكباً على الجحش والأتان معاً؟ أين أولئك " الجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق، وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر، وفرشوها في الطريق، والجموع الذين تقدموا، والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: أوصنّا لابن داود.. ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: مَن هذا ؟ " ( متى 21/8 - 10 )

أين ذهب هؤلاء ؟ بل أين ذهب أصحاب المروءة والشهامة، وهم يرون المسيح يصفع ويضرب على غير ذنب أو جريرة ؟

- ذكر مرقس قصة الرجل الذي هرب عرياناً فقال: " تبعه شاب لابساً إزاراً على عريه " (مرقس 14/52 )، ويدل هذا على أن قصة الصلب حصلت في شهور الصيف، ومما يؤيد ذلك أن الفصح عند اليهود - حيث حصلت حادثة الصلب - يكون في شهر نيسان.

لكن يوحنا يذكر ما يفيد أن القصة حصلت في شهور الشتاء، فقد وقف بطرس يوم محاكمة المصلوب، يحتمي من البرد بالنار، يقول يوحنا: " وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي " ( يوحنا 18/25 )، فجمع الإنجيليون الصيف والشتاء في يوم واحد.

- ثم إن بطرس - الذي يحتل في المسيحية مكاناً بارزاً، وجعلت الأناجيل بيده مفاتيح السماوات والأرض - أنكر المسيح في تلك الليلة ثلاث مرات، وأضاف إلى الإنكار حَلفاً ولعناً، لم تجرؤ أقلام الإنجيليين على بيان ذاك الذي لعنه بطرس، لكن لا يحتاج القارئ إلى كثير فطنة ليدرك أنه كان يلعن المقبوض عليه، ويبرأ منه ومن معرفته، فهل كان يلعن سيده المسيح أم المصلوب الخائن؟

 وهذا الحلف واللعن سقوط لا يتفق مع خصوصية بطرس الذي كان ينبغي أن يكون مثالاً للثبات والقوة، فقد قال له المسيح: " ولكني طلبت من أجلك، لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت، ثبت إخوانك " ( لوقا 22/32 ).

كما أن الحلف منهي عنه عند النصارى، فكيف حلف بطرس، والمسيح قد علمهم: " لا تحلفوا البتة..، بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو شر " ( متى 5/34 - 37 ).

وعليه فبطرس شرير، حلف كاذباً، والتوراة تقول: ".. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً " (الخروج 20/7 )، و " لا تحلف باسمي للكذب، فتدنس اسم إلهك، أنا الرب " ( اللاويين 19/12) وخروج بطرس عن هذه الأحكام يجعله ملعوناً " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" ( التثنية 27/26 ).

ولا يمكن أن يصدر هذا الحلف واللعن من بطرس، فلا يمكن أن يهون عليه نبيه ومعلمه إلى هذا الحد، ولو فعل ذلك لما كان مستحقاً لاسم الإيمان، فضلاً عن المعجزات والخصائص المذكورة في حقه في الأناجيل، وعليه فإن بطرس كان صادقاً محقاً في حلفه ولعنه، إذ الملعون هو المصلوب، وهو ليس المسيح، بل غيره، وهو مستحق للإنكار واللعن.

- وتُظهر الأناجيل المسيح على الصليب غاية في الضعف والهوان، يستجديهم الماء وهو يرى شماتتهم، ثم يُسمعهم صراخه....ولا يتطابق هذا مع ما عُرف عن شخصية المسيح القوية، والتي تحدى فيها اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه. ( انظر يوحنا 7/23 )، أو المسيح الذي دخل الهيكل فطرد الصيارفة ( انظر مرقس 11/15 )، وصام أربعين يوماً قبلُ من غير أن يشكو جوعاً أو عطشاً. ( انظر متى 4/2 ).

 فلم كل هذا الجزع، وممن ؟ من المسيح الذي يدعون ألوهيته !! كيف يصدر هذا الخور منه وهو القائل لتلاميذه: " لا تضطرب قلوبكم، ولا ترهب، سمعتم أني قلت لكم: أنا أذهب ثم آتي إليكم، لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون، لأني قلت: أمضي إلى الآب " ( يوحنا 12/27 - 28 ).

- ويذكر الإنجيليون قيامه المسيح بعد الموت، وهذه أحد أكثر موضوعات الأناجيل إثارة، لما في رواياتها من تناقض وتنافر.

فلم ظهر المسيح لتلاميذه ولم يظهر لأعدائه؛ فهذا أظهر لحجته، وأدعى للإيمان به، كما نتساءل عن موقف الكهنة وقد علموا من الحراس بخروج المسيح من القبر، كيف سكتوا عن ذلك، إن الأناجيل لا تذكر أنهم حركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم.

وأنبه هنا إلى أن إنكار قيامة المسيح قديم، فهاهم أهل باغوس يحدثهم بولس "ولما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون، والبعض يقولون سنسمع منك عن هذا أيضاً " ( أعمال 17/32 )، بل ويمتد التكذيب بالقيامة إلى بعض المؤمنين بدعوة بولس من أهل كورنثوس، لذا يخاطبهم " ولكن إن كان المسيح يكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم: إن ليس قيامة أموات، فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام، وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم" (كورنثوس (1) 15/12-14)، فلو كان أمر قيامة المسيح معلوماً مشهوراً لما رفضها المؤمنون ولا استهزأ بخبرها المعاصرون.

ومما يدل على عدم صحة هذه القصة جهل تلاميذ المسيح بها " لأنهم لم يكونوا بعدُ يعرفون الكتاب، أنه ينبغي أن يقوم من الأموات " ( يوحنا 20/9 )، وعليه فإن فكرة سرقة الجسد من القبر كان إشاعة قديمة لتبرير القيامة.

ومن الأدلة على كذب القيامة: وجود المسيح وظهوره، فوجوده دليل على أنه لم يمت، لأن التوراة تقول: " السحاب يضمحل ويزول، هكذا الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد " ( أيوب 7/9 )، ولو كان المسيح قد مات لا يرونه بعدُ لأنه قال: " لأني ذاهب إلى أبي، ولا ترونني أيضاً " ( يوحنا 16/1 ) ويؤكد هذا قوله: "الحق الحق أقول لكم: إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه: مبارك الآتي باسم الرب" ( لوقا 13/5).

وهكذا ومن خلال هذا كله يتبين لنا أن الروايات الإنجيلية أقل بكثير من أن تصلح للاعتبار في مسألة مهمة كهذه، إذ هي عمل بشري ممتلئ بسائر أنواع الضعف البشري من خطأ وغلط واختلاق.